هاربة من الناس-الجزء الثاني
عندما تتأزم الأمور يلجأ الانسان للحل السهل وهو الهروب من المشكلة ولكنه يكتشف في النهاية أن الهروب يزيد المشكلة ولا يحلها
مأساة الفتاة
والد مها في شبابه كان
عنده شغف وفضول للتعرف علي ما هو غريب ومجهول وحاول اختراق هذا الحاجز الفاصل بين
عالم الانس والجن
مصادفة وأثناء قراءته
لأحد الكتب التي تخوض في هذا الموضوع وجد داخل هذا الكتاب كلام غريب يتكلم عن احد
مردة الجن تم سجنه في عمق البحر عن طريق ملك من ملوك الجن لمخالفته قوانين عالم
الجن وهناك طريقة واحدة لاطلاق سراح هذا المارد .
والمكافأة كبيرة لمن يقوم
بهذه المهمة ويفك أسر هذا الجني وبالفعل نفذ والد مها المهمة وحصل علي المكافأة
ولكن الثمن كان باهظ جدا لم يدرك والد مها مدي فداحته الا بعد فوات الأوان .
نظر احمد لمها كمن ينظر
لفتاة مجنونة أو امرأة تعاني من اضطراب عقلي ولكنه لم يظهر لها عدم اقتناعه بما تقول
وسألها : وبعد كده حصل ايه.
مها بعد تردد : طريقة فك
قيود الجني بتقديم قربان بشري يكتب بدمه تعويذة معينة بها تنحل القيود من علي
الجني ويفتح باب سجنه.
تعويذة سحرية
فنظر لها أحمد بعدم
تصديق فأكملت بانفعال كأنها لم تلاحظ نظرته: للأسف والدي غفر الله له قام باستدراج
أحد أطفال الشوارع لضمان عدم وجود أهل يبحثوا عنه وقتله ونفذ المطلوب تماما كما في
الكتاب وبالفعل تم فك أسر الجني ولكن الأمر لم ينتهي عند ذلك
وسكتت مها فاستحثها احمد
لتكمل كلامها فأكملت قائلة : أخبر الجني أبي بأنه لكي يبقي الجن حرا لابد من اعادة
هذه التعويذة مرة كل عام في نفس اليوم تماما وعندما رفض أبي تنفيذ هذا الأمر أحرقه
الجني عقابا له ولكنه ألقي لعنة علي كل من
هو من نسل أبي وكنت أنا الابنة الوحيدة لأبي فحملت طوال عمري هذه اللعنة .
نظر احمد لها بعدم تصديق
كأنه يشاهد احد أفلام الرعب الهزلية أو يقرأ رواية من روايات الرعب التي انتشرت
هذه الأيام بين أوساط الشباب ثم قال لها : ما فهمته منك أنه بموت أبوكي الجني رجع
لسجنه تاني وانتهي الأمر مشكلتك حاليا ايه.
مها بخوف شديد : أحد
أتباع الجني ظهرلي اليوم وهو ما شاهدته أنت كدخان عند باب الغرفة وطلب مني أكمل ما
بدئه أبي لأني من نسله .
احمد بذهول : تقصدي انك
تقتلي انسان بريء.
فانفجرت مها ببكاء شديد
ولم ترد عليه .
................................................
الايمان بالله حل لكل المشاكل
ترك أحمد مها لترتاح
قليلا بعد ما عانته طوال هذا اليوم وبدء يفكر في ما قصته عليه من أمر هذا الجني
وتعويذة أبيها السحرية ولكنه نفض هذه الأفكار تماما من رأسه لعدم اقتناعه في
الأساس بفكرة الجن والعفاريت ولكنه لم يجد تفسير لهذه الظاهرة الغريبة التي رآها
عند باب غرفة مها بخروج هذا الدخان الكثيف من أسفل الباب كأن الغرفة تحترق ولكنه
وجدها سليمة .
وبعد طول تفكير غلبت
عينه النوم فاستسلم للنوم حتي الصباح.
.......................................................
استيقظ أحمد مبكرا وأسرع
الي غرفة مها ليوقظها للافطار ففوجيء بباب الغرفة مفتوح علي غير عادة مها فتعجب من
هذا الأمر وبعد تردد منه ونداءه علي مها أكثر من مرة دخل الغرفة ليجدها فارغة وعلي
الجدار ورقة معلقة فأخذها بسرعة ليقرأها.
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
احمد
بعد طول تفكير قررت
اتخاذ هذا القرار بترك هذا المكان دون أن أودعك لعلمي أنك لن تتركني أذهب ابدا
وهذا ما أخاف منه وخوفي
عليك أنت ,فهذا قدري كل من يقترب مني لابد أن تنتهي حياته بكارثة أو مصيبة وقد
اخبرتك سبب ذلك
وأصارحك بشيء وان كنت لم
أستطع اخبارك به مباشرة ولكني بعد أن تركتك أجد في نفسي الشجاعة والرغبة في أن
أخبرك أنك أول رجل يحس بمعاناتي في هذه الحياة وأول رجل يقدم لي يد المساعدة دون
أن يخاف مني أو من لعنتي .
هذا المكان هو أول مكان
احس فيه بالراحة والأمن كما أنك أول رجل أتكلم معه وأخبره بما أعاني منه وأني في
دهشة من أمري لماذا وثقت فيك وأخبرتك بحكايتي لا اعلم .
لا تخاف فلن أحاول
الانتحار مرة اخري ولكني سأبقي وحيدة في هذه الحياة كما قدر الله ذلك .
وأخيرا أود أن اخبرك اني
اتخذت هذا القرار خوفا عليك حتي لا تصاب بأي أذي بسببي.
سأذكرك دائما
مها
قرأ احمد هذه الرسالة
فأسرع للخارج كمن يبحث عن شيء ظل سنوات يطلبه ثم ضاع منه فجأة.
.........................................................
طريقة النجاة
كنت متأكد إنك هتكوني
هنا
انتبهت مها لصوت أحمد
وهو ينطق بهذا الكلام لترفع رأسها اليه وعينها كلها دموع وهي تنظر اليه في مزيج من
اللهفة والانزعاج والدهشة التي تشوبها الفرحة ثم قالت له : عرفت ازاي اني هنا .
أحمد : بعد انقاذك من
الغرق فتحت شنطتك وقرأت مذكراتك اللي كانت بداخلها وفتحت صفحتك علي الفيس من موبيلك
وعرفت كل حاجة عنك .
فنظرت له مها نظرة كلها
عتاب فكيف يجد في نفسه الجرأة ليفتش في حقيبتها ويطلع علي أسرارها .
فهم أحمد معني نظرة مها دون
أن تتكلم فدافع عن نفسه قائلا: كان لازم أعرف كل حاجة عنك علشان أفهم مشكلتك
ومتنسيش أنك حاولتي الانتحار.
نظرت مها تحت قدميها ثم
رفعت رأسها لأحمد قائلة : مش خايف علي
نفسك بعد كل اللي عرفته عني.
أحمد : بعد الكلام اللي
كتبتيه في رسالتك مستحيل اني أتخلي عنك
فنظرت مها مرة أخري الي
الأرض في خجل شديد ثم قالت بسرعة محذرة أحمد وهي تنظر اليه : اياك تجلس علي
المقبرة ,حرام الجلوس علي المقابر .
فنهض احمد سريعا من فوق
المقبرة التي كان جالس عليها قائلا : مكنتش أعرف
ثم نظر حوله الي شواهد
القبور : كنت متأكد انك هتكوني في المقابر جوار مقبرة أمك رحمة الله عليها
من مذكراتك عرفت انك
كنتي بتهربي جوار مقبرة أمك كلما ضاقت بك الدنيا .
مها : انت مش فاهم لازم
تتركني وتمشي ,انت صغير والمستقبل أمامك أما أنا مكتوب عليه أعيش معزولة عن الناس.
أحمد : مها .. من صفحتك
علي الفيس ومذكراتك عرفت منها انك حافظة للقرآن الكريم كله وانك علي علم بأمور
الدين وده واضح من من بوستاتك علي الفيس لكن للأسف انتي معرفتيش تستفيدي من علمك
بالدين أو تنقذي نفسك من مأساتك اللي عايشة فيها طول عمرك .
فنظرت اليه مها بدهشة دون أن ترد فأخذ أحمد نفس عميق
وأستكمل كلامه : لو مشكلتك مع الجن والشياطين فربنا في كتابه الحكيم قال ( وَمَا هُمْ
بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)
وقال إِنَّ كَيْدَ
الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا
)
الهروب من المواجهة
فانتبهت مها كأنها تسمع
هذه الآيات أول مرة رغم كونها تحفظها عن ظهر قلب فأكمل أحمد : بحسن الظن بالله
وصدق التوكل عليه تقدري تهزمي أي شيطان وتكسري اي لعنة ,انتي بايمانك بالله أقوي
من كل مردة الجن .
سكت أحمد وهو ينظر
الي مها التي امتلاءت عيناها بالدموع ثم
أكمل بانفعال : انتي كاتبة علي صفحتك مقال كبير عن ذكر الله والتحصن بذكر الله من
كيد الشيطان لكن واضح للأسف ان فهمك للدين مجرد نصوص حفظاها فقط.
أحس احمد أنه كان قاسي
علي مها في الكلام عندما وجد دموعها تملاء الأرض تحت قدميها فقال بهدوء : آسف لو زعلتك
بكلامي .
فردت مها : مفيش داعي
للأسف انت كلامك كله صح ,أنا أخترت الطريق السهل وهو الهروب من المواجهة ,أنا
حاولت الانتحار وحاولت البعد عن الناس وتجنبهم وكل ده كان هروب من المشكلة
الأساسية وللأسف محاولتش اواجه مشكلتي أبدا .
أحمد بهدوء : تقبلي
نواجه مشكلتك مع بعض.
فنظرت اليه مها بعدم فهم
قائلة : مش فاهمة ,ازاي يعني
أحمد : تقبلي تكوني
شريكة حياتي
فنظرت اليه مها بخجل
وخفضت رأسها بحياء ناظرة اللي الأرض دون أن ترد .
أحمد : أقدر أقول السكوت
علامة الرضا
فابتسمت مها دون أن ترد
أحمد : بالأيمان بالله
والتوكل عليه ولجوءنا الي الله وحده نقدر نهزم كل شياطين الجن والأنس في نفس الوقت
فالتمعت عيني مها بحماس
وهو تنظر الي احمد وتفكر في كلامه
في نفس الوقت في مكان
بعيد جدا في عمق المحيط كانت هناك نار تشتعل أسفل المياه مخالفة بذلك كل قوانين
الطبيعة ومن داخل هذه النيران تخرج صرخة رهيبة لمارد من مردة الجن وهو يحترق
تعليقات
إرسال تعليق